jeudi 19 septembre 2013

الشعر الأندلسي مميزاته وخصائصه

 الشعر الأندلسي مميزاته وخصائصه

استعرض الموضوع السابق استعرض الموضوع التالي اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
fatesaa
عضو نشيط
عضو نشيط



رسالة sms:لكتابة رسالة sms انتقل إلى مكتبك
الهويات الهويات
الاعلام الاعلام
الجنس الجنسذكر
عدد الرسائل عدد الرسائل120
نقاط التميز3591
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل08/09/2010

موضوع: الشعر الأندلسي مميزاته وخصائصه   

مقدمة:
إنَّ الباحث في تراث الأندلُس ليجد من أمر هذه البلاد عجبًا، سواء في الثقافة أو الحضارة والعمران، بشكلٍ جعل من الأندلس على مرِّ التَّاريخ معينًا لا ينضب، يُقبِل عليه أهل الشرق والغرب على حدِّ السواء، بدراسات وأبحاث لم تنقطع يومًا، ولعلَّ ذلك راجع بالأساس إلى الحضارة الإسلاميَّة التي سادت لقرون عدَّة في هذه البقعة، هذا أوَّلاً.

وثانيًا: لما اتَّسم به أهلُها من مميِّزات وصفات جعلتْهم أحرَصَ النَّاس على التفرُّد والتميُّز، وفي هذا الصَّدد يقول المقري: "حال أهل الأندلس في فنون العلوم، فتحقيق الإنصاف في شأنِهم في هذا الباب أنَّهم أحْرَص النَّاس على التميُّز، فالجاهل الذي لم يوفِّقْه الله للعِلْم يَجهد أن يتميَّز بصنعة ويربأ بنفسه أن يُرى فارغًا عالة على الناس؛ لأنَّ هذا عندهم في نهاية القُبح، والعالِم عندهم معظَّم من الخاصَّة والعامَّة، يُشار إليْه ويُحال عليْه، وينْبه قدره وذكْرُه عند الناس"[1].

وهي من الصفات الحميدة التي إن توفَّرت في شعب ما، وضعتْه في المراتب السامية، ودفعتْه إلى مدارج التقدُّم والازدهار[2].

وسنحاول في هذه المقالة الوقوف على مكانة الشِّعْر عند الأندلسيين، ومميّزاته وخصائصه وأغراضه الأدبيَّة، مع الإشارة إلى مظاهر التميُّز والتفرُّد الأندلسي الذي دفعهم إلى ابتكار أجناس أدبيَّة خاصَّة باللغة العربية الفصيحة، سمِّيت بالموشَّحات، وأخرى بالعامِّية سميت بالزَّجل.

- أوَّلاً: مكانة الشِّعْر عند الأندلسيِّين:
كان الشِّعر على مرِّ العصور وسيلةً ترْفع صاحبها إلى أسمى مراتب الدَّولة، بغضِّ النَّظر عن عقيدة الشَّاعر ودينه، فقد نبغ عددٌ من الشُّعراء غير المسلمين، من بيْنِهم شواعر مثل: قسمونة بنت إسماعيل[3]، وحمدونة بنت زياد[4]، ... ولم يكن لشيءٍ من ذلك أن يحدث لولا تسامُح سائر المجتمع وتجانُسٍ أرْسى أصوله بين الناس[5].

وقد حظِي الشِّعْر عند الأندلسيِّين بمكانة عظيمة، وكان للشُّعراء من ملوكهم وجاهة ولهم عليهم وظائف، والمجيدون منهم ينشدون في مجالس عظماء ملوكهم المختلفة، ويوقع لهم بالصلات على أقدارهم[6]، وهو أمرٌ لم يكن مختلفًا كثيرًا عما كان للشُّعراء عند العرب.

وللإشارة فإنَّ بلاد الأندلُس عُرِفَت بِجمال مناظرِها وأوْضاعها الطبيعيَّة الخلاَّبة، فأفاض الشُّعراء في التغنِّي بمناظرها[7]، وقال فيها الوزير ابن الحمارة الأندلسي:
لاحَتْ قُرَاهَا بَيْنَ خُضْرَةِ أَيْكِهَا كَالدُّرِّ بَيْنَ زَبَرْجَـدٍِ[8] مَكْنُـون[9]

وكذلك قول ابن سفر المريني متغنِّيًا بمشاهد الأندلس ومواطن الجمال فيها:

فِي أَرْضِ أَنْدَلُسٍ تَلْتَذُّ نَعْمَاءُ وَلا يُفَارِقُ فِيهَا القَلْبَ سَرَّاءُ
وَلَيْسَ فِي غَيْرِهَا بِالعَيْشِ مُنْتَفَعٌ وَلا تَقُومُ بِحَقِّ الأُنْسِ صَهْبَاءُ
وَأَيْنَ يُعْدَلُ عَنْ أَرْضٍ تَحُضُّ بِهَا عَلَى المُدَامَةِ أَمْوَاهٌ وَأَفْيَاءُ
وَكَيْفَ لا يُبْهِجُ الأَبْصَارَ رُؤْيَتُهَا وَكُلُّ رَوْضٍ بِهَا فِي الوَشْيِ صَنْعَاءُ
أَنْهَارُهَا فِضَّةٌ وَالمِسْكُ تُرْبَتُهَا وَالخَزُّ رَوْضَتُهَا وَالدُّرُّ حَصْبَاءُ[10]

ويقول في هذا الصدد لسان الدين بن الخطيب[11]:
غِرْنَاطَةٌ مَا لَهَا نَظِيرٌ مَا مِصْرُ مَا الشَّامُ مَا العِرَاقُ
مَا هِيَ إِلاَّ العَرُوسُ تُجْلَى وَتِلْكَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّدَاقِ[12]

ولعلَّ هذه الطبيعة هي التي غذت فيهم الروح الموسيقيَّة المرحة التي حدت بهم إلى أن يتفنَّنوا في الأوزان الشعريَّة، فيضيفوا إلى ما هو معروف منْها أوزانًا في غاية الخفَّة والجمال، وتعد الموشحات خير دليل.

ثانيا: نشأة الشعر الأندلسي:
ظهر الشعر الأندلسي في ظروف مختلِفة عن مثيله في الشرق، ظروف تتَّصل بطبيعة الأندلس وتنوُّعها وغنًى بمواطن جمالها، وأخرى متَّصلة بالتكوين الثقافي للسكَّان، فلأوَّل مرة يلتقي الجنس العربي مع أجناس لاتينيَّة وقوطية وبربريَّة ويهوديَّة على أرض واحدة، وتتعايش تحت سمائها الأدْيان السماوية الثلاثة: الإسلام واليهودية والمسيحيَّة، فيسمع صوت المؤذن إلى جانب رنين أجراس الكنائس والبِيَع، وتتحدَّث العربيَّة إلى جانب الأمازيغية، الإسبانية والكتلانية، فنشأ من التعايش بين هذه الأديان والأجناس والثقافات واللغات جوٌّ خاص وحضارة فذَّة.

إنَّ السماحة التي ظلَّلت المجتمع الأندلُسي وبعده عن التعصُّب المقيت، لعِب دورًا كبيرًا في خلق التَّعايُش والتَّجانُس بين سكَّان الأندلس، كان أثره المباشر على الشِّعْر الأندلسي.

هذا؛ وقد برز منهم بعض الأعلام في ميادين الأدَب والثقافة مثل ابن المعز الإشبيلي، الَّذي كان يكنى بأبي إسحاق، فقد كان شاعرًا مجيدًا ظهر في أيَّام المعتمد بن عبَّاد، ومن لطائف شعرِه قوله في كلبة صيد:
لَمْ أَرَ مَلْهًى لِذِي اقْتِنَاصِ وَمَقْنَعَ الكَاسِبِ الحَرِيصِ
كَمِثْلِ خَطْلاءَ ذَاتِ جِيدٍ أَغْيَدَ تِبْرِيَّةِ القَمِيصِ
كَالقَوْسِ فِي شَكْلِهَا وَلَكِنْ تَنْفُذُ كَالسَّهْمِ لِلقَنِيصِ[13]


لَم يكن ظهور الشِّعر الأندلُسي المعبِّر عن البيئة نتيجةَ عمل فرْدٍ واحد، إنَّما هو عبارة عن ملامح نجِدُها لدى شُعراء كثيرين على نحْوٍ مُتفاوت فيما بينهم، وتزداد مع الأيَّام وضوحًا إلى أن أصبح الشِّعر الأندلسي مميَّز الخصائص والسِّمات.

الشَّيء الذي يدفع للقَول بأنَّ اكتمال الشَّخصيَّة الشعرية الأندلسيَّة لم يؤدِّ إلى إثبات الوجدان الأندلسي المستقل فحسب؛ بل ساهم بشكْلٍ كبير في ظهور إبداع أندلسي أصيل شهِدته الأندلس، متمثِّلٍ في الموشَّحات والزَّجل، باعتبارهما فنَّين غير مسبوقين، كانا من ثمار التميز الأندلسي.

ـــــــــــــــــ
[1] نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، أحمد بن محمد المقري التلمساني، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار صادر: بيروت، لبنان، السنة: 1968، ج:1، ص: 220.
[2] الأدب الأندلسي: موضوعاته وفنونه، مصطفى الشكعة، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، الطبعة الرابعة، السنة: 1979، ص: 71.
[3] قسمونة بنت إسماعيل النغريلة: شاعرة أندلسيَّة يهودية، عاشت في حوالي سنة 1009م، وللأسف لم تذكر المصادر نسبَها كاملاً، وكل ما ذكرته هي بعض المقاطع من موشَّحاتها، ومنها أنَّها ذات يوم نظرت إلى وجهها في المرآة وكانت عانسًا فأنشدت:
أرَى رَوْضَةً قَدْ حَانَ مِنْهَا قِطَافُهَا وَلَسْتُ أَرَى الجَانِي يَمُدُّ لَهَا يَدَا
فَوَا أَسَفًا يَمْضِي الشَّبَابُ مُضَنِّيًا وَيَبْقَى الَّذِي مَا إِنْ أُسَمِّيهِ مُفْرَدَا

[4] هي حمدة ويقال حمدونة بنت زياد بن تقي، من قرية بادي من أعمال وادي آش في المغرب، كان أبوها زياد مؤدبًا، وبوظيفة أبيها اشتهرتْ ونسبت فقالوا: حمدة بنت المؤدِّب، ومن ألقابها خنساء المغرب، ومن أشعارها:

وَقَانَا لَفْحَةَ الرَّمْضَاءِ وَادٍ سَقَاهُ مُضَاعَفُ الغَيْثِ العَمِيمِ
حَلَلْنَا دَوْحَهُ فَحَنَا عَلَيْنَا حُنُوَّ المُرْضِعَاتِ عَلَى الفَطِيمِ
وَأَرْشَفَنَا عَلَى ظَمَأٍ زُلالاً أَلَذَّ مِنَ المُدَامَةِ لِلنَّدِيمِ

للمزيد عن هذه الشاعرة انظر: معجم الأدباء، ياقوت الحموي الرومي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، ج: 3، ص:1211، وأعلام النساء، عمر رضا كحالة، مؤسَّسة الرسالة، مصر، ج: 1، ص: 292 - 293.
[5] الأدب الأندلسي: موضوعاته وفنونه، مصطفى الشكعة، م س، ص: 75.
[6] نفح الطيب من غصن الأندلُس الرَّطيب، أحمد بن محمد المقري التلمساني، م س، ج: 1، ص: 222.
[7] الأدب الأندلُسي: موضوعاته وفنونه، مصطفى الشَّكعة، م س، ص: 409.
[8] جاء في "لسان العرب"، الزَّبَرْجَد: حجرٌ يشبه الزمرُّد وهو ألوانٌ كثيرة، والمشْهور منها الأخضر.
[9] نفح الطيب من غصن الأندَلُس الرَّطيب، أحمد بن محمد المقّري التلمساني، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار صادر، بيروت، لبنان، السنة: 1968، ج: 1، ص: 148.
[10] نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، أحمد بن محمد المقري التلمساني، م س، ج: 1، ص: 209، الفن ومذاهبه في الشعر العربي، شوقي ضيف، دار المعارف للنشر، الطبعة: العاشرة. دون تاريخ، ص: 411.
[11] لسان الدين أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن سعيد بن الخطيب، انتقلت أسرته من قرطبة إلى طليطِلة بعد وقعة الربض أيَّام الحكم الأوَّل، ثم رجعت إلى مدينة لوشة واستقرَّت بها، وبعد ولادة لسان الدِّين في رجب سنة 713هـ انتقلت العائلة إلى غرناطة حيث دخل والده في خدمة السلطان أبي الحجاج يوسف، وفي غرناطة درس لسان الدين الطب والفلسفة والشريعة والأدب، ولما قتل والده سنة 741هـ في معركة طريف كان مُتَرْجَمنا في الثامنة والعشرين، فحلَّ مكان أبيه في أمانة السِّر للوزير أبي الحسن بن الجيّاب.
[12] نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، أحمد بن محمد المقري التلمساني، م س، ج: 1، ص: 148.
[13] الأدب الأندلسي: موضوعاته و فنونه، مصطفى الشكعة، م س، ص: 80 - 81.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://batnauniv.mountada.biz
fatesaa
عضو نشيط
عضو نشيط



رسالة sms:لكتابة رسالة sms انتقل إلى مكتبك
الهويات الهويات
الاعلام الاعلام
الجنس الجنسذكر
عدد الرسائل عدد الرسائل120
نقاط التميز3591
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل08/09/2010

مُساهمةموضوع: رد: الشعر الأندلسي مميزاته وخصائصه   الأربعاء سبتمبر 08, 2010 2:10 pm



ثالثًا: خصائص الشعر الأندلسي:
كان الشعر في الأندلس الأكثر ذيوعًا من أي جنس أدبي آخر؛ لأنَّه كان يمثل أهم مظاهر الحياة العقليَّة العربيَّة في الأندلس، وساعدت الطبيعة الفاتنة كما أسلفنا علىوكان الحنين إلى المشرق يُمثِّل جانبًا كبيرًا من أماني شُعَراء الأندلس وأحلامِهِم، فهذا عبدالرَّحمن الدَّاخل، يتذكَّر أرض آبائِه وأجداده فيقول:
تَبَدَّتْ لَنَا وَسْطَ الرَّصَافَةِ نَخْلَةٌ تَنَاءَتْ بِأَرْضِ الغَرْبِ عَنْ بَلَدِ النَّخْلِ
فَقُلْتُ: شَبِيهِي فِي التَّغَرُّبِ وَالنَّوَى وَطُولِ التَّنَائِي عَنْ بَنِيَّ وَعَنْ أَهْلِي
نَشَأْتِ بِأَرْضٍ أَنْتِ فِيهَا غَرِيبَةٌ فَمِثْلُكِ فِي الإِقْصَاءِ وَالمُنْتَأَى مِثْلِي[1]

نضوج الشِّعْر وإخصاب الصُّور الشعرية، كما كان لمجالس الأنس والبهجة الأثر الكبير في تنوُّع أغراض الشعر[2].

أهم الأغراض الشعرية:
لقد تعدَّدت الأغراض الشعريَّة التي تناولها الشُّعراء، فمنهم مَن خصَّص أشعارَه للمَدْحِ، وآخرون للهجاء، ومن أهمِّها:
المدح:
يكثر هذا الغرَض في الموشَّحات غالبًا، ولعلَّ أشهر موشَّحة في هذا الإطار تلك التي نظمها لسان الدين بن الخطيب في مدح الأمير الغني بالله صاحب غرناطة، والَّتي تعتبر من اللون الرَّاقي المتماسك من هذا الفن، يقول لسان الدين:
جَادَكَ الغَيْثُ إِذَا الغَيْثُ هَمَى يَا زَمَانَ الوَصْلِ بِالأَنْدَلُسِ
لَمْ يَكُنْ وَصْلُكَ إِلاَّ حُلُمًا فِي الكَرَى أَوْ خِلْسَةَ المُخْتَلِسِ[3]

ومِن أشهر الآثار في المدْح أيضًا رائيَّة أبي بكر بن عمَّار[4] في مدح المعتمد بن عباد، حيثُ استهلَّها بمدخل رائع، يقول فيه:
أَدِرِ الزُّجَاجَةَ فَالنَّسِيمُ قَدِ انْبَرَى وَالنَّجْمُ قَدْ صَرَفَ العِنَانَ عَنِ السُّرَى
وَالصُّبْحُ قَدْ أَهْدَى لَنَا كَافُورَهُ لَمَّا اسْتَرَدَّ اللَّيْلُ مِنَّا العَنْبَرَا[5]

ثم ينتقل بعد وصْف الطبيعة إلى مدح المعتمد قائلاً:
أَثْمَرْتَ رُمْحَكَ مِنْ رُؤُوسِ مُلُوكَهُمْ لَمَّا رَأَيْتَ الغُصْنَ يُعْشَقُ مُثْمِرَا
وَصَبَغْتَ دِرْعَكَ مِنْ دِمَاءِ مُلُوكِهِمْ لَمَّا رَأَيْتَ الحُسْنَ يُلْبَسُ أَحْمَرَا
وَإِلَيْكَهَا كَالرَّوْضِ زَارَتْهُ الصَّبَا وَحَنَا عَلَيْهِ الطَّلُّ حَتَّى نَوَّرَا

الرِّثاء:
قلَّدوا الشرق فيه، وتفجَّعوا على الميت، ووصفوا المصيبة وعدَّدوا المناقب، يقول ابن حزمون في رثاء أبي الحملات قائد الأعنَّة ببلنْسِية، وقد قتله نصارى أسبانيا:
يَا عَيْنُ بَكِّي السِّرَاجْ الأَزْهَرا ... النَّيِّرَا اللامِعْ
وَكَانَ نِعْمَ الرِّتَاجْ فكُسِّرَا ... كَيْ تُنْثَرَا مَدامِعْ[6]

أمَّا رثاء الممالك الذَّاهِبة، فكان أكثر روْعة من رثاء الشُّعراء المشارقة، فقد هالَهم أن يَرَوا ديارَهم تسقط واحدةً بعد أُخْرى في أيدي الأسبان، فبكَوْها بكاء الثَّكلى، ومن أشهر ما قيل في هذا الضَّرب من الرثاء قصيدةُ أبي البقاء الرندي[7] التي يرْثِي فيها الأندلس بأسرها، ومطلعها:
لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَا تَمَّ نُقْصَانُ فَلا يُغَرَّ بِطِيبِ العَيْشِ إِنْسَانُ
هِيَ الأُمُورُ كَمَا شَاهَدْتُهَا دُوَلٌ مَنْ سَرَّهُ زَمَنٌ سَاءَتْهُ أَزْمَانُ

الهجاء:
لقد تميز الهجاء عند بعض شُعَراء الأندلس بالتطرُّف والقسْوة، فابن حزمون مثلاً حين هجا نفسَه كان أشدَّ قسْوةً من ألدِّ أعدائه، ويقول في ذلك:
تَأَمَّلْتُ فِي المِرْآةِ وَجْهِي فَخِلْتُهُ كَوَجْهِ عَجُوزٍ قَدْ أَشَارَتْ إِلَى اللَّهْوِ
إِذَا شِئْتَ أَنْ تَهْجُو تَأَمَّلْ خَلِيقَتِي فَإِنَّ بِهَا مَا قَدْ أَرَدْتَ مِنَ الهَجْوِ[8]

ويمضي الشَّاعر يهْجو نفسَه في عدَّة أبيات يكمل بها صورتَه بشكْلٍ سيِّئ، ولَم تكُن لِلهجاء سوقٌ رائجة في الأندلُس ولاسيَّما الهجاء السياسي؛ وذلِك لقلَّة الأحزاب السياسيَّة وعدم وجود الشعوبيَّة.

الغزَل:
كان يدْعو إليْه كلُّ ما في الأندلس من طبيعةٍ جميلةٍ وحياة حضريَّة ناعمة، وغالبًا ما يتداخَلُ مع الغزَل وصف الطَّبيعة، مثل قول أبي الربيع الموحدي: أَقُولُ
لِرَكْبٍ أَدْلَجُوا بِسُحَيْرَةٍ قِفُوا سَاعَةً حَتَّى أَزُورَ رِكَابَهَا
وَأَمْلأَ عَيْنِي مِنْ مَحَاسِنِ وَجْهِهَا وَأَشْكُو إِلَيْهَا إِنْ أَطَالَتْ عِتَابَهَا[9]

وغالبًا ما يقَع شعراء الغزل في الأندَلُس على تشبيهاتٍ واستِعارات طريفة، كقول أبي حفص عمر بن عمر:
هُمُ نَظَرُوا لَوَاحِظَهَا فَهَامُوا وَتَشْرَبُ عَقْلَ شَارِبِهَا المُدَامُ
يَخَافُ النَّاسُ مُقْلَتَهَا سِوَاهَا أَيَذْعَرُ قَلْبَ حَامِلِهِ الحُسَامُ[10].

وإذا ما أمعنَّا النَّظر في الإنتاجات الشِّعْريَّة الأندلسية سنجد فيها كمًّا هائلاً من الأشْعار التي نظمتها المرأة الأندلسيَّة، حتَّى إنَّها خاضت في أغْراض كانت حكرًا على الرجُل؛ كالهجاء والزُّهْد والمجون وكذلك الغزل، مثل قول أم الكرم بنت المعتصم بن صمادح[11]:
حَسْبِي بِمَنْ أَهْوَاهُ لَوْ أَنَّهُ فَارَقَنِي تَابَعَهُ قَلْبِي[12]

رابعًا: الفنون المستحدثة في الشعر الأندلسي:
الموشحات:
الموشَّح فن شعري مستحْدَث، يختلف عن ضروب الشعر الغِنائي العربي في أمور عدَّة، وذلك بالتِزامه بقواعد معيَّنة في التقفية، وبخروجه غالبًا على الأعاريض الخليليَّة، وباستعماله اللُّغة الدارجة أو العجميَّة في خرجته، ثمَّ باتِّصاله القوي بالغناء.

ومن اللافت للنَّظر أنَّ المصادر التي تناولت تاريخ الأدب العربي لَم تقدِّم تعريفًا شاملاً للموشَّحات، واكتفتْ بالإشارة إليْها إشارة عابرة، بل حتَّى إنَّ البعض تحاشى الإشارة إليْها.

أمَّا عن سبب التَّسمية، فالرَّاجح أنَّ هذا الفن سمِّي بالموشَّح لما فيه من ترْصيع وتزيين وتناظر وصنعة، فكأنهم شبَّهوه بوشاح المرأة المرصَّع باللؤلؤ والجوهر.
الموشَّحات فن أنيق من فنون الشعر العربي اتَّخذ قوالب بعيْنِها في نطاق تعدُّد الأوزان الشعريَّة، وكان ظهوره بالأندلس، واتَّسعت الموشَّحات لاحتِضان كلِّ موضوعات الشِّعْر وأغراضه[13].

وهي ألوان جديدة من الشِّعْر تَخرج بأوزانِها وقوافيها على أساليب العرَب المعروفة في النَّظم، وهكذا حلقتِ العبقريَّة الشَّاعرة في أجواء سمْحة، وطلعت على النَّاس بأدب موشَّح حطَّم كثيرًا من القيود في الشِّعْر[14].

إذ اعتمد الموشَّح أحيانًا على بعض الأوْزان الشِّعْريَّة القديمة، فلا بدَّ له من أن يبدل فيها وينوِّع في تفاعيلها، وأوَّل من ابتدع الموشَّحة هو محمد بن محمود القبري نسبة إلى بلد "قبرة"، ويأتي اسم أحمد بن عبد ربه صاحب "العقد الفريد" في مقدّمة مؤسّسي هذا الفن، بيْنما هناك من يرى أنَّ المؤسّس الفعلي لفنّ الموشَّحات هو أبو بكر عبادة بن السماء المتوفَّى سنة 422 هجرية[15].

اتَّخذ الموشَّح من حيث بناؤه شكلاً مقنَّنًا بحيث أصبح كلُّ موشح يشتمل على أجزاء بعينها، في نطاق مسمَّيات اصطلح المشتغِلون بفن التوشيح عليْها، وهي:
1- المطلع أو المذهب.
2- الدور.
3- السمط.
4- القفل.
5- البيت.
6- الغصن.
7- الخرجة[16].

وحتَّى نستطيع توضيح الهيكلة الفنِّية للموشحات؛ اخترنا موشَّحة لابن مهلهل يصِف فيها الطَّبيعة وصفا رقيقًا[17]:
النَّهْرُ سَلَّ حُسَامَا عَلَى قُدُودِ الغُصُونْ المطلع
وَلِلنَّسِيمِ مَجَالْ
وَالرَّوْضُ فِيهِ اخْتِيَالْ الدور
مُدَّتْ عَلَيْهِ ظِلالْ
وَالزَّهْرُ شَقَّ كِمَامَا وَجْدًا بِتِلْكَ اللُّحُونْ القفل
أَمَا تَرَى الطَّيْرَ صَاحَا
وَالصُّبْحَ فِي الأُفْقِ لاحَا
وَالزَّهْرَ فِي الرَّوْضِ فَاحَا
وَالبَرْقَ سَاقَ الغَمَامَا تَبْكِي بِدَمْعٍ هَتُونْ الخرجة

الزجل:
الزَّجل هو الموشَّح المنظوم باللغة العاميَّة، فحين انتشرت الموشَّحات عند الطبقة المثقَّفة، نسجت الطبقة العاميَّة على سليقتها الأزْجال، التي كانت تؤدَّى مصحوبة بالموسيقى، ونظمت دون التِزام بقافية أو وزن.

وفي هذا الصَّدد أورد ابن خلدون في المقدّمة: "لما شاع فنُّ التَّوشيح في أهل الأندلس، وأخذ به الجمهور؛ لسلاستِه وتنميق كلامِه وترصيع أجزائه - نسجت العامَّة من أهل الأمصار على منوالِه، ونظموا في طريقتهم بلُغتهم الحضريَّة من غير أن يلتزموا فيه إعرابًا، واستحدثوا فنًّا سمَّوه بالزَّجل، والتزموا النَّظم فيه على مناحيهم إلى هذا العهْد، فجاؤوا فيه بالغرائب، واتَّسع فيه للبلاغة مجال، بحسب لُغَتِهم المستعجمة".

وكان أوَّل مبتكر للزَّجل هو أبو بكر بن قزمان[18]، وقال عنه ابن سعيد[19]: "رأيتُ أزْجالَه مرويَّة ببغداد أكثر مما رأيتُها بحواضر المغرب"، وبذلك انتقل هذا الزَّجل كما انتقلت الموشَّحات إلى المشرق، واستخدمتْه الأقاليم في آدابها الشعبيَّة[20].

ومن الزجَّالين الكبار في الأندلس نذكر أحمد بن الحاج المعروف بمدغليس[21]، ويَعْتَبِره الأندلسيُّون خليفة ابن قزمان، ويجعلون مكانته في الزَّجل شبيهة بمكانة ابن تمام في الشِّعْر، وهناك أيضًا على سبيل المثال لا الحصر: ابن غزلة، وابن جحدر الإشبيلي، وأبو عمر الزَّاهد، والحسن بن أبي الدباغ، وغيرهم.

ويؤْثَر عن أبي الدباغ حبُّه الشَّديد للزَّجل إنشاءً وجمعًا، فكانت له أزْجال في الهجاء، وله يرجع الفضل في جمع مختارات الزجَّالين في مجموعتين، سمَّى الأُولى بـ: "مختار ما للزَّجَّالين المطبوعين" والثانية بـ: "ملح الزجَّالين"[22].

والشَّائع في هذا الفن أن تأتي الأزْجال بأربعة مصاريع، يلتزم الرَّابع منها رويًّا واحدًا في القصيدة، وأمَّا الثَّلاثة فتكون على قافية واحدة، وتسمَّى بـ: "القراديات"[23].

خاتمة:
بعد هذه الجوْلة المختصرة بين ثنايا الشِّعْر الأندلسي، يمكن تسجيل مجموعة من الملاحظات في جُمْلة من المستويات، فعلى مستوى الأسلوب والألفاظ لم يغرق الشُّعراء الأندلسيُّون في استعمال غريب اللفظ، فاعتمدوا على البديع، وأكْثروا من التَّشبيه والتشخيص، وتأثَّروا كثيرًا بشُعَراء الشَّرق من حيثُ روعةُ الأُسْلوب وجزالته، وجَمال الفِطرة ونظارة الحضارة، هذا على مستوى الأسلوب والألفاظ.

أمَّا من حيث المعاني، فيُمْكن إجْمال خطوطها الأساسيَّة في كونها: سهلة قريبة المأْخَذ بعيدة عن التكلُّف، كما أنَّ معظم التَّشابيه في أشْعارهم حسِّيَّة مأخوذة من المحيط، إضافة إلى تميُّزهم بدقَّة الخيال وبُعْده عن الصُّور التجريديَّة.

وفيما يخصُّ الموشَّحات فقد ساهمت في إغْناء الشِّعْر العربي وأخْصبت إنتاجه؛ لبراعتِه الآخذة بالنفوس، ولموسيقاه العذْبة التي تطرب لها الأسماع.


ــــــــــــــــــــــــ
[1] الأدب الأندلسي: موضوعاته وفنونه، مصطفى الشكعة، م س، ص: 247.
[2] المرجع نفسه، ص: 248.
[3] الفن ومذاهبه في الشعر العربي، شوقي ضيف.- م س، ص: 453.
[4] أبو بكر محمد بن عمّار بن حسين بن عمّار المشهور بابن عمّار (422-479 هـ/1031-1086م) شاعر ووزير من أهل الأندلس، ارتبطت حياتُه بحياة ملك إشبيلية المعتمد بن عباد الذي قتل ابن عمار بيديه عام 479 هـ.
[5] الأدب الأندلسي: موضوعاته وفنونه، مصطفى الشكعة، م س، ص: 346.
[6] المرجع نفسه، ص: 437.
[7] أبو البقاء صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم بن علي بن شريف الرندي الأندلسي (601 هـ -684 هـ الموافق: 1204 - 1285 م) هو من أبناء (رندة) قرب الجزيرة الخضراء بالأندلس وإليها نسبته.
[8] الأدب الأندلسي: موضوعاته وفنونه، مصطفى الشكعة، م س، ص: 55-56.
[9] نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، أحمد بن محمد المقري التلمساني، م س، ج: 1، ص: 148.
[10] الفن ومذاهبه في الشعر العربي، شوقي ضيف، م س، ص: 453.
[11] بنت المعتصم بالله، أبي يحيى محمد بن معن بن أبي يحيى بن صمادح التجيبي، قال الأديب أبو الحسن علي بن موسى بن سعيد في المغرب: كانت تنظم الشعر، وعشِقَت الفتى المشهور بالجمال من دانية المعروف بالسمار، وعملت فيه الموشَّحات ولها ثلاثة إخوة شعراء: الواثق عزّ الدولة أبو محمد عبد الله، ورفيع الدولة الحاجب أبو زكريا يحيى، انظر نزهة الجلساء في أشعار النساء، السيوطي.
[12] الأدب الأندلسي: موضوعاته وفنونه، مصطفى الشكعة، م س، ص: 149.
[13] الأدب الأندلسي: موضوعاته وفنونه، مصطفى الشكعة، م س، ص: 371.
[14] كتاب الشعر، جميل سلطان، منشورات المكتبة العباسية، دون طبعة، السنة: يناير 1970، ص: 112.
[15] الأدب الأندلسي: موضوعاته وفنونه، مصطفى الشكعة، م س، ص: 373.
[16] المرجع نفسه، ص: 375.
[17] الأدب الأندلسي: موضوعاته وفنونه، مصطفى الشكعة، م س، ص: 376.
[18] هو أبو بكر محمد بن عيسى بن عبد الملك بن قزمان المعروف بابن قزمان الأصغر، عاش أصداء ما تبقى من عهد ملوك الطوائف، وكامل العهد المرابطي، وصدر العهد الموحدي بالأندلس، وتوفي عام (555هـ/1086م)، ينتمي لأسرة حازت المجد والشرف في الثقافة والسياسة والدين، توزَّع إنتاجه الأدبي بين الشِّعْر والنثر والموشح والزَّجل، وبرع في فن الزَّجل إلى حد وصفه بأنَّه زعيم الزجَّالين وإمامهم، وأنَّ منزلته بين الزجَّالين بمنزلة المتنبي بين الشُّعراء، له ديوان ضخم سماه "إصابة الأغراض في ذكر الأعراض"، نال اهتِمام المستشرقين والمستعربين الذين اعتبروه جسرًا بين الشرق والغرب، وأصدروا بهذا الصَّدد عدَّة نشرات أهمها:
- نشرة المستشرق النرويجي "جونزبرج" ونشرها ببرلين 1896م.
- نشرة المستشرق التشيكي "نيكل 1933م".
- نشرة المستشرق الفرنسي "كولان 1933م".
- نشرة المستشرق الإسباني "إميليو غرسية غومس1972م".
- نشرة المستعرب الإسباني "فيذيريكو كورينتي 1980م".
بالإضافة إلى الزجل له موشحة واحدة ذكرها صفي الدين الحلي في كتابه "العاطل الحالي والمرخص الغالي"، ومقطوعات شعرية وردت في مصادر مختلفة، وكتابات نثرية أهمها مقدمة الديوان، ورسالتان في "الذخيرة في محاسن الجزيرة" لابن بسام، ومثلهما في "الإحاطة في أخبار غرناطة" لابن الخطيب.
[19] ابن سعيد الغرناطي الأندلسي هو علي بن موسى بن محمد بن عبد لملك بن سعيد الغرناطي نور الدين أبو الحسن المؤرخ المالكي ولد سنة 610 هـ دار البلاد، من مصر والشام وبغداد وبصرة ثم الحرمين، ورجع إلى إفريقية، سكن تونس، وتوفي بها سنة 685هـ وله مصنَّفات كثيرة منها كتابه الذي نقلِّب صفحاته "المُغْرب في محاسن حلى أهل المغرب"، وقد ألفه لمحيي الدين محمد بن الصاحب بن ندى الجزري.
[20] الفن ومذاهبه في الشعر العربي، شوقي ضيف، م س، ص: 451-454.
[21] مدغليس اسم مركبٌ من كلمتين أصله مضغ الليس، والليس جمع ليسة وهي ليقة الدواة؛ وذلك لأنه كان صغيرًا بالمكتب يمضغ ليقته، والمصريون يبدلون الضاد دالاً، فانطلق عليه هذا الاسم وعرف به، وكنيته في ديوانه أبو عبدالله بن الحاج، عُرف بمدغليس.
[22] الفن ومذاهبه في الشعر العربي، شوقي ضيف، م س، ص: 451-454، بتصرف.
[23] كتاب الشعر، جميل سلطان، م س، ص: 154.

mercredi 18 septembre 2013

أدب الفكاهة في التراث العربي

أدب الفكاهة في التراث العربي
نعمان النقاش

   أدب الفكاهة من الآداب الشيّقة والممتعة فهي (نزهة النفس وربيع القلب ومرتع السمع ومجلب الراحة ومعدن السرور) ولا يمكن أن نتصور العالم من دون فكاهة أو نتصور الحياة عابسة مقطبة الجبين مكفهرة المظهر وإذا كان هذا مستطاعاً فمن الذي يطيقها ويرضاها. أن الحياة بغير ضحك عبء ثقيل لا يحتمل وكما قال الرسول (ص): (روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلّت عميت). فالفكاهة انتشرت علي مر العصور والتاريخ الأدبي لكل شعوب الأرض، وبينت ما لحاجة الفرد والمجتمع من أدب كهذا. ولأهميته في حياة الناس شغل العلماء والمثقفون بله الأدباء والشعراء، فهذا مكدوجل يقول: (إن الضحك يستخدم الأعصاب والعضلات فهو غريزة مهمة)، والضحك حسب ما توصل إليه العلم الحديث يعيد للإنسان أنسه وأمله وطبيعته، بل انه يسهم في شفاء بعض الأمراض التي أصابت عالمنا المعاصر، ولذلك كانت الفكاهة تطغي عقب المحن التي تمر بها الشعوب، فينتشر المسرح الكوميدي والشعر الساخر والمواقف الضاحكة مثل (البشاشة، البهجة، الجذل، السرور، الضحك، الطرب، الظرف، المزحة،.. الخ)، بل إنهم وسعوا من ألفاظ الضحك وأكثروها لتستوعب كل حالاته، فالابتسامة أول مراتب الضحك ثم الاهلاس ثم الهنوف ثم الافترار ثم الكتكتة ثم القرقرة ثم الطخطخة ثم الهزق ثم الهرزقة وهو أسوأ الضحك. وقد اشتهر كتّاب بالأسلوب الساخر كالجاحظ وأبي دلامة ومن مواقفه الساخرة دخوله علي المهدي بوجود وزيره حين وضعه المهدي في موقف حرج فقال له: (أبا دلامة لا تبرح مكانك حتى تهجو أحد الثلاثة) أي أما المهدي أو وزيره أو نفسه، فإن هجاء نفسه أقل ضرراً، فقال:
ألا أبـلغ أبـا دلامــة فليس من الكرام ولا كرامة
إذا لبس العمامة كان قرداً وخنزيراً إذا وضع العمامة
وإن لزم العمامة كان فيها كقردٍ ما تفارقـه الدمامـة
   بل إن الفكاهة كانت تفرض نفسها حتى علي الكتاب الذين التزموا بالجد وتناولوا موضوعات في غاية الجدية، كـ(عيون الأخبار لابن قتيبة)، (والإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي) كما أفردت كتب للفكاهة كـ(البخلاء للجاحظ) و(الظراف والمتماجنون لابن الجوزي) و(الفاشوش في حكم قراقوش لابن مماتي) واشتهرت قصائد في الهجاء كـ (القصيدة الدبدبية لعلي المغربي):
أي دبدبا تدبدبـي أنـا علـي المـغربـي
أنا الذي أسد الثري في الحرب لا تحتفل بي
ولا عرفت النحـو غير الجر بالمـنتصـب
ولا عرفت من عروض الشعـر غيـر السـبب
     إلا الفكاهة لم تجر علي طبيعتها دائماً بل كانت أحياناً تستخدم للأغراض غير الترفيهية عن النفس، كأن تكون لأغراض الشكوى أو التهكم والسخرية اجتماعياً أو سياسياً، فمن الشعر الذي نظم للشكوى في إطار الفكاهة للشكوى من الفاقة والتخلف كقول الشاعر المصري الشهير بابن الأعمى:
دار سكـنت بها أقل صفاتهـا أن تكثر الحشرات في جنباتها
وبها ذباب كالضباب يسد عين الشمس ما طربي سوي غناتها
وبها من الجرذان ما قد قصرت عنه العتاق الجرد في حملاتها
     وفي مجال الفكاهة الاجتماعية كثر الأدب الفكاهي وحمل علي عاتقه إبراز عيوب حالات اجتماعية أو طبقات اجتماعية معينة، مسلطاً عليها الأضواء. كما نجد في المسرح الموليري الذي أبرز التصرفات المعيبة للبرجوازية في (البرجوازي النبيل) وسخر من نسائهم (المتحذلقات) ومن طبقة علماء الدين المنافقين في (طرطوف). ونجد الهجاء يقوم عند العرب بإبراز عيوبهم الخلقية وأشهرها البخل، وأشعار البخل كثيرة وطريفة منها قول ابن الرومي:
يقـتر عيسي علي نفسـه وليس بباقٍ ولا خالد
ولو يستطيع لتقتيره تنفس من منخرٍ واحد
 وقول الآخر:    سيان كسر رغيفه أو كسر عظم من عظامه
    والشعر السياسي يحفل بالفكاهة، إذ إن الشاعر يهرب من بطش حاكمه باستخدام الفكاهة التي تصل أحياناً إلي حد السخرية والتهكم، فيطرح قضاياه طرحاً يدعو إلي الضحك. وليس يخفي علي السامع ألم الشاعر الممض:
خليفة مات لم يحزن له أحد             وآخر جاء لم يفرح به أحد
    ومن ذلك قول البهاء زهير هاجياً ابن صاعد الفائزي:
لعن الله صاعـداً وأباه فصاعـداً          وبنيـه فنـازلاً واحداً ثم واحداً
     ولم تقف الفكاهة عند حد الأدب الراقي الذي تكتبه الطبقة المثقفة أو الطبقة الأولي في المجتمع- كما يقولون- بل إن الفكاهة لتأصلها وتغلغلها في بنية كل المجتمعات أصبحت ضمير الأمة ولسان حال الناس البسطاء، فتكلمت عن همومهم اليومية ومعاناتهم الصميمية، فكانت شخصية المضحك الذي يصنع المفارقات. وتدور حكايات البطل الشعبي الأكبر جحا في إطار المعاناة من الفقر ولوم الزوجة دائماً، وسيطرتها علي كثير من المواقف، وجحا شخصية مركبة وليست بسيطة. وقد طرحت شخصية جحا لتتكلم عن هموم العالم، وهي متكررة في كل الأمم والشعوب كالترك والفرس وحتى الغرب، فإن المهرج (جوكر) إنما كانت من اشتقاقات جحا أو بديلاته، وقد عنيت الدراسات المقارنة بهذا عناية كبيرة.
    وبعد، فإن أدب الفكاهة من الآداب المهمة والحية في حياة الإنسان، وهي تفرض علينا أن نرفدها وننميها لأنها شكل سامٍ من أشكال التعبير عن هموم الناس والترويح عنهم وتخليصهم من الهموم وأعباء النكسات.
ان الضحك امر مهم بالنسبة للآأنسان , تنزع اليه النفس الانسانية فتجد فيه طمأنينة وراحه وتنشرح الصدور ..... فالضحك طبيعه بشرية تلقي على الحياة ستارا من اللآواقعية فترفع عن الانسان هموم حياته وتدفعه للتفاؤل وللنظر بفرح الى المستقبل 
لقد عرف بعضهم الانسان بانه (( حيوان ضاحك )) يتميز بضحكه عن بقية الحيوانات كما يتميز عنهم بالنطق. ويعبر الانسان بالابتسامه عن كثير من الامور , فهناك ابتسامة الملآطفه وابتسامة التشجيع وابتسامة السخرية وابتسامة الاغراء بالاضافة الى دور الابتسامهكأداة لتحقيق التعاطف والتفاهم بين الناس كما وان الابتسامه تعبر عن الرغبة في التواصل مع الاخرين فهي تمهد للضحك الذي يجمع الناس مهما كانت فئاتهم مختلفة
الهدف الرئيسي في النوادر هو اثارة الضحك لكن لايستجيب الناس جميعهم للنوادر بنفس الدرجة . وبالتالي فان لكل نوع من النكات جمهورها . هناك اشخاص لاتضحكهم الا النكات الماجنة والبذيئة بينما الاخرون لاتضحكهم الا النكات الذكية ويرفضون كل ماعداها... فالفكاهة لاتهدف دائما للآأضحاك فقط بل انها تقوم بوظيفة النقد والدعوة الى الاصلاح.
الضحك ظاهرة جماعيه معديه كالتثاؤب والحكاك ودليل ذلك اننا قد نضحك قبل ان نعرف سبب ضحك الاخرين
لايخلو الادب في اي عصر من العصور من الفكاهة باستثناء ادب الفكاهة في العصر الجاهلي الذي لم يصلنا وذلك لندرته بسبب ظروف حياة الباديه القاسيه والبعيدة عن الترف والنعيم .. لكن في صدر الاسلام بدأت النوادر تظهر في الادب خاصة مع بداية حياة الاستقرار التي عرفها العرب في المدن ... وظهر في هذا العصراشخاص مرحون يزرعون الضحك حولهم... اما العصر الاموي فقد نمت الفكاهة في حضن النقائص التي تعتمد على الهجاء المتبادل فتناثرت النوادر في الاشعار وفي النثر وظهرت شخصيات لطيفه كأشعب وابو دلامه , ثم جاء العصر العباسي المنفتح على الحضارات فنبغ اشخاص في فن الاضحاك كأبن الرومي والجاحظ وانتشر الندماء والظرفاء في القصور ونالوا حظوة عند الخلفاء والامراء.
ان من خصائص ادب الفكاهة الخفة والظرافة ويشترط في الفكاهي ان يكون صاحب ذكاء يجعله يبحث عن الحيلة ويتدبر الخطط وينسج خيوطها .. ويمتاز بنظرة الثاقب وبموهبته الاصلية التي تضفي عليه خفة ولطفا فتأتي فكطاهته لبقه غير مصطنعه تفيض بالعذوبة ... وترد الفكاهة على شكل قصة قصيره موجزة ساخرة تقوم احيانا كثيرة على اساس النقد وتتميز بالخروج عن المألوف
مارأيكم ان يضاف الى ديوان الادب العربي موضوعا اخر بعنوان اضحك مع فكاهة الادب العربي للتسلية اولا والاستراحة ثانيا ولابد وان فيها فائدة لصقل
اللغه والتمرس على قراءة الشعر وكتابته على شرط ان نبتعد عن الكلمات البذيئة حيث قلما ترد في فكاهة الادب العربي مثل هذه الكلمات وان رويت فانها تروى بغير ماقيلت من لدن المصدر وسأبدا ببعض منها :

*
عاد رجلا مريضا فقال لاهله : اجركم الله ؟ فقالوا لكنه حي لم يمت
فقال : يموت ان شاء الله

*
قال اشعب : اضجرني الصبيان يوما , فأردت ان اشغلهم , فقلت لهم : ان 
بموضع كذا عرسا فامضوا اليه فلما مضوا ضننت اني صدقتهم فتبعتهم

*
قال اشعب : تبعت الضحاك بن مخلد وهو يريد منزله فالتفت الي وقال : مالك 
يااشعب ؟ قلت : ياابا عاصم , رأيت قلنسوتك قد مالت فتبعتك لعلها تسقط 
فآخذها . فنزعها من رأسه واعطانيها

*
استأذن حاجب ابن زراره على كسرى فقال له الحاجب : من انت ؟ قال : رجل 
من العرب . فلما دخل قال لهكسرى من انت قال : سيد العرب فقال له 
الحاجب الم تقل انك رجل من العرب ؟ قال وقفت بباب الملك وانا رجل منهم 
فلما صرت اليه سدتهم . فضحك كسرى وقال احشوا فاه درا
*
قال ابو حنيفة النعمان : احتجت الى ماء في البادية فجاء اعرابي معه قربة 
فأبى ان يبيعها الا بخمسة دراهم فاشتريتها منه ثم قلت : مارأيك في السويق 
؟ فقال : هات , فاعطيته سويقا بزيت فاكل حتى امتلآ فعطش , فقال شربة 
فقلت : بخمسة دراهم . فشرب قدحا واسترددت دراهمي وبقي الماء

*
رأى بشارة الخوري المعروف بالاخطل الصغير امأة جميله تشكو فقرها وتبكي فقال :
شكت فقرها فبكت لؤلؤا تساقط من جفنها فانتشر
فقلت مشيرا الى دمعها افقر وعندك هذي الدرر

*
صدم اعور في بعض الاسواق امرأة فالتفتت اليه وقالت : " اعمى الله 
بصرك "فقال ( ياسيدتي قد استجاب الله نصف دعائك)