samedi 3 juillet 2010

الدراما التراجيدية في مسرحية "السلطان الحائر"

عبد الوهاب الشتيوي

معهد الحبيب ثامر ـ صفاقس

الفاتحة: "قد نهز رؤوسنا طربًا وإعجابًا بما يقوله البطل وبما يفعله، لكن
ذلك لا يعني أنْ نسمح له بالتحكم في مشاعرنا وتوجيه أفكارنا".

I. رؤية
الحكيم للدراما التراجيدية

يعتقد توفيف الحكيم أنّه لا بدّ من التوفيق بين
شروط الدراما التراجيدية اليونانيّة، وخصائص الأدب العربي، ومكونات الذائقة
العربية، وذلك من أجل تأصيل الفنّ المسرحيّ في الثّقافة العربيّة ـ وهو في الحقيقة
فنّ دخيل لم يظهر في الثّقافة العربيّة إلاّ في القرن التّاسع عشر ـ ولا بدّ
بالنّسبة إلى الحكيم من العودة إلى الرّوافد الدّراميّة التّراجيديّة اليونانيّة
لتحقيق هذا الهدف، لذلك نجده يقول في مقدّمة "الملك أوديب": "أحاول أنا اليوم أنْ
أُرسي هذا الفنّ الجديد في آدابنا العربيّة على قواعده اليونانيّة، وهو العمل الذي
كان يجب أنْ يُصنع منذ قرون".

لكنّ ذلك لا يعني أنّ الحكيم سيبقى أسير
النّظرة اليونانيّة إلى الإنسان وقضاياه ومشاغله وعلاقته بمكوّنات الحياة والوجود،
أو تبقى مصادر مسرحيّاته يونانيّة تبحث فقط في القضايا الماورائيّة، وعلاقة الإنسان
بالآلهة والقوى الغيبيّة عامّة، بل إنّ الحكيم وإنْ كان حريصًا على الإبقاء على
شروط الدّراما التّراجيديّة اليونانيّة، فإنّه استطاع أنْ يتخلّص في بعض مسرحيّاته
ـ السياسيّة والاجتماعيّة خاصّة ـ من القضايا التي كانت تُعالج في الدّراما
اليونانيّة، وارتبط بقضايا الإنسان المعاصرة، مثلما هو الحال في مسرحيّة "السلطان
الحائر" التي جعل موضوعها متّصلاً براهن الإنسان العربيّ المعاصر في علاقته
بالسّياسة من جهة، وبحقوقه الإنسانيّة من جهة أخرى، وتطرّق فيها إلى علاقة السّلطة
والمواطن بالقانون والواجب والحقّ والحريّة.

فالحكيم إذنْ لا يتحمّس إلى
ترجمة التّراث الدّراميّ التّراجيديّ اليوناننيّ بدعوى تأصيل المسرح في البيئة
العربيّة، بل إنّه يتحمّس فقط إلى الإبقاء على العناصر الدّراميّة التّراجيديّة
اليونانيّة، ثمّ العمل على بلورتها وفق القضايا العربيّة المعاصرة، ووفق المرحلة
التّاريخيّة التي يمرّ بها العرب وتعيشها ثقافتهم، وهو ما يعني أنّ التّرجمة
والتّقليد والمحاكاة لنْ يمكنها أنْ تنفع المسرح العربيّ، بل إنّها ستؤثّر سلبًا في
علاقة الإنسان العربيّ المسلم بالمسرح، ذلك أنّ المسرح اليونانيّ يعالج مثلاً
الصّراع بين الإنسان والآلهة، وهو أمر مرفوض في الدّيانة الإسلاميّة، لذلك فالحكيم
أخرج المسرح ـ من خلال بعض مسرحيّاته ـ من صراع الإنسان مع القوى الغيبيّة القاهرة،
إلى صراع الإنسان الفرد مع القضايا الاجتماعيّة والنّظم السياسيّة، والصّراع بين
الغريزة الإنسانيّة الجيّاشة إلى التّملّك والأنانيّة والسّيطرة، والمبادئ
الإنسانيّة الخالدة والقيم العليا التي تبحث عن العدل وتنشر الخير والسّلام.

ومن أجل ذلك أصبح الصّراع في الدّراما التّراجيديّة المعاصرة صراعًا بين
الإنسان وأخيه الإنسان، ولم يعد البطل مصارعًا خارقًا ذا خصائص بشريّة/إلهيّة، يخوض
صراعًا خارقًا، وينتهي صراعه بالهزيمة النّكراء والفشل الذّريع نظرًا لضعفه
الإنساني الكامن فيه، وقدراته المحدودة، بل أصبح شخصًا نبيلاً ورجلاً شهمًا كريمًا
يمتلك كلّ الصّفات الإنسانيّة العظيمة، يخوض صراعًا مع قوى الظّلم والقهر
والاستغلال، ومع جبلّة الإنسان الشرّيرة أحيانًا، ويسعى إلى إقامة العدل في الكون،
وإنْ خالف مصالحه الشّخصيّة، ومصالح طبقته الاجتماعيّة والسّياسيّة.

II.
شروط الدّراما التّراجيديّة التّقليديّة

1. التّراجيديا مسرحيّة ذات موضوع
جادّ، لذلك أقصى أرسطو الملهاة (الكوميديا) من تصنيفه للشّعر والمسرح.

2.
حكاية المسرحيّة ذت طابع حزين.

3. سموّ البطل في أخلاقه وأفعاله عن
الآخرين، والتزامه بمبدئه مهما تتغيرْ الظّروف، أو يحتد الصّراع.

4. تصادم
إرادته مع إرادة الآخرين.

5. تميّز البطل وتفرّده وتطرّفه أحيانًا صفات
تنتج الصّراع.

6. للمسرحيّة التّراجيديّة طول معلوم، فلا تطول لتصبح ملحمة،
ولا تقصر لتصبح قصيدة، لذلك فكاتب التّراجيديا كثيرًا ما يتجنّب التّفصيلات
والتّهيدات.

7. التّطهير هو الغاية الأولى للتّراجيديا، إذ تخلّص الإنسان
من مشاعر الخوف والضّعف والحزن والانكسار القابعة في نفسه.

8. الوحداث
الثّلاث:

أ‌. الحدث: فكرة واحدة تُعالجها الدّراما، ولا تشغل المتفرّج
بقضايا أخرى سواءً كانت مهمّة أو عاديّة.

ب‌. الزّمان: لا يتجاوز أربعًا
وعشرين ساعة (دورة شمس)، فالمتفرّج اليونانيّ يجعل المسرحيّة دومًا محاكاة للواقع.

ت‌. المكان: لا يتغيّر المكان إلاّ بنسبة محدودة، وإنْ تغيّر فإنّه لا
يفارق المدينة الواحدة.

III. بنية المسرحيّة التّراجيديّة (من خلال
"السّلطان الحائر)

1. المقدمة

الحكم بالإعدام على متّهم ذكر أنّ
السّلطان ما هو إلاّ عبد مملوك لم يعتقه السّلطان الرّاحل قبل موته.

2.
الفعل الصاعد

إقرار السّلطان والوزير والقاضي بهذه الحقيقة، والعفو عن
المتّهم، والبحث عن حلّ لعتق السّلطان، واختيار السّلطان تحكيم القانون، ورفض مبدإ
السّيف والقوّة.

3. الذّروة

بيع السّلطان في مزاد علنيّ ورفض
المشتري (الغانية) التّوقيع على حجّة العتق، أيْ وقوع السّلطان في أزمة الملكيّة
الجديدة، رغم مجادلة القاضي القانونيّة، وتهديدات الوزير.

4. الفعل الهابط

موافقة السّلطان على قضاء اللّيلة مع الغانية في بيتها.

5. الحلّ

طلوع الفجر واستعادة السّلطان حريّته وملكه، واستعادة الغانية سمعتها بين
النّاس.

IV. خصائص البطل التراجيدي التقليدي

ـ يضحي في سبيل
الإنسانية ويدافع عن القيم المثلى.

ـ يتجاوز الرغبات الذاتية الضيقة،
والنزوات الغريزية.

ـ منزه عن الدّنايا، بعيد عن الرذيلة.

ـ صاحب
فطرة نقية، وغريزة صافية.

ـ يجسد أحلامنا وطموحاتنا، ويعبر عن مشاعرنا
وأفكارنا.

ـ يلمّ به الشقاء والألم.

ـ يبعث مصيره على التعاطف
والإشفاق والرحمة.

ـ ينتمي إلى النبلاء وعليّة القوم، أو من الأبطال
الخارقين.

ـ يمتلك صفات نفسية واجتماعية وبدنية تجعله من العظماء.

ـ يخلصنا من مشاعر الخوف.

ـ يعلّم الفضيلة ("راسين"، وهو مسرحي
كلاسيكي).

ـ يرسخ الحكمة.

ـ له قيمة معرفية واجتماعية وجمالية
("ليسينغ"، مسرحي من عصر التنوير).

ـ يملك القوة، ويمارس العنف، لكنه يتميز
بالرقة والرحمة.

ـ عنيف مع الأعداء والأشرار، رحيم بالضعفاء والأخيار.

ـ يُقبل على الأفعال المؤذية والمؤلمة والخطرة.

ـ يقبل التحدي
ويصارع الأقوياء بجرأة وشجاعة وحرية اختيار.

ـ خصم عنيد يمتثل إلى صوت
الحقّ: "الشخص الأعظم". لوكاتش

ـ يضحي بنفسه من أجل القيم الخالدة والمثل
العليا.

ـ يبحث عن ترسيخ قيم أصيلة في مجتمع متدهور (لوكاتش).

ـ
يُؤلم لكنه يُعجب ويمتع.

ـ بكاؤه وتألمه نابعان من الثراء الروحي الموجود
في أعماقه.

ـ لا يخجل من ضعفه وهزيمته.

ـ يبكي وينكسر ويظل شجاعًا
ينظر إلى الأمام، ويسعى إلى الشرف والمجد والعلا، وتأدية الواجبات.

ـ
مأساته عظيمة، إنسانية المجال، جماعية عظيمة.

ـ هزيمته ناتجة عن سطوة القوى
التي يصارعها وجبروتها.

ï إنّ كلّ هذه الصفات الخارقة تفسر لنا سرّ الإعجاب
بالأبطال التراجيديين وخلودهم، سواءً كانوا يونانيين قدامى ييصارعون القوى الغيبية،
أو عالميين معاصرين يصارعون القوى المنظورة، مثل العمال الذين يصارعون الإقطاعيين
والرأسماليين.

Ã"إنّ "الجميل"أساسٌ رئيس يرتكز عليه البطل التراجيدي في
سلوكه وأفعاله، وغاية نبيلة رفيعة، يطمح ـ بتوق ولهفة ـ إلى تجسيدها عمليًّا، بكل
ما أوتي من قوّة وجرأة وعزيمة وإصرار، ومهما يواجه في سبيلها من كوارث وملمّات
وأخطار.

à إنّ كلّ هذه الصّفات التي اشترط المسرح التّراجيديّ اليونانيّ
توفّرها في البطل، حافظ عليها توفيق الحكيم في بطل مسرحيّته "السّلطان الحائر"،
وذلك من أجل أنْ يُحافظ على روح التّراجيديا اليونانيّة، ويحقّق وظيفة الإشفاق
والخوف، ويؤدّي مغزى التّصعيد، فهذا السّلطان نبيل من عليّة القوم، مرفّه لا يحتاج
إلى الكذب والخداع والتّزييف والانتهازيّة من أجل الحصول على المال، يمتلك صفات
إنسانيّة وقيمًا أصيلة وممبادئ عليا، تمكّنه منْ أنْ يكون مثال الإنسان الشّريف
الذي يسعى إلى إسعاد غيره، والتّنازل عن حقوقه الفرديّة إنْ تعارضت مع حقوق
الآخرين، وقيم المججتمع، وهي مثال الحاكم العادل الذي لا يأبى تجاوز القانون، أو
ظلم الآخرين، يُنصف المظلوم، وينتصر للحقّ والعدل، لا يساير الأشرار والمفسدين في
مشاريعهم الانتهازيّة، ويعارض أصحاب النّفوذ في الدّولة ممثّلين في الوزير والقاضي،
بفرض إقامة محاكمة عادلة للمتّهم المحكوم عليه بالإعدام، وإعادة النّظر في قضيّته
من زاوية قانونيّة حقوقيّة، ويرضخ لمشيئة القانون بالإقرار بوضعيّته المدنيّة إذ
قبل اعتباره مملوكًا غير معتوق من قِبل السّلطان الرّاحل، وقبول بيعه في المزاد
العلنيّ، وانتظار مصيره المرتبط بشجاعة المشتري الذي يمكن أنْ يقبل عتقه، أو
الإبقاء على وضعه المملوكيّ، ثمّ يقبل أنْ يكون مملوكًا لغانية سيّئة السّمعة في
مجتمعها، بل إنّه يغيّر موقفها منه ويصدّق عفافها، ويدفع النّاس إلى تغيير موقفهم
منها، ويعطيها صورة جديدة مشرقة.

وحين نعود إلى مسألة الإشفاق والخوف،
ومغزى التّصعيد، نجد أنّ هذا البطل النّبيل الشّجاع يكون محلّ إشفاق الجمهور حين
يقع في الورطة، وحين تتأزّم وضعيّته بإعلامه بحقيقة وضعه المدنيّ، وحين يعرض للبيع،
وحين يباع ولا يُعتق، وحين يصبح مملوكًا للغانية، ويبيت معها اللّيلة، أيْ إنّ
مأساته تجعله محلّ إشفاق وتعاطف، ثمّ يستبدّ الخوف بالمتفرّج حين يتخيّل مصيرًا
مفجعًا لهذا البطل، وذلك بفقدانه عرشه، وعجزه عن استعادة حقوقه المدنيّة، وتحوّله
من سلطان ذي مال وجاه ومكانة عليا، إلى عبد مملوك لغانية سيّئة السّمعة، وتحوّله من
حاكم ذي سلطة وأمر ونهي، إلى محكوم لا حول له ولا قوّة، بل إنّه يتحوّل من ذات
بشريّة إلى سلعة لا قيمة لها في بيت المال وخزينة الدّولة، ومن إنسان يملك ويبيع
ويشتري إلى بضاعة تباع في مزاد علنيّ يمكن أنْ يشتريها سفلة القوم، ويتعاظم الخوف
أكثر فأكثر حين تتعمّق العقدة فيتخيّل المتفرّج نفسه في ذلك المصير الذي قد يؤول
إليه السّلطان، ثمّ يكون التّصعيد حين تنتهي المسرحيّة بحلّ العقدة، وتزول الأزمة
ويستعيد السّلطان مكانته، فيبقى في الذّهن انتصار الخير على الشّرّ، وتفوّق الجانب
النّبيل في الإنسان على الجانب الخبيث فيه، وتُسعاد هيبة القيم الأصيلة، والمثل
العليا، ويكون ذلك البطل التّراجيديّ مثال "البطل الذي يسعى إلى الحفاظ على القيم
الأصيلة في مجتمع متدهور" مثلما يقول "جورج لوكاتش" في معرض حديثه عن الأبطال في
الرّواية الحديثة.

V. البناء الفنّيّ للمسرحيّة

1. الحبكة
المسرحيّة

الحبكة هي البناء المسرحيّ الذي يُرتّب الأحداث وفق منطق خاصّ من
البداية إلى النّهاية المفجعة، مرورًا بالعقدة والبحث عن الحلول، ويوزّع الفضاء
ويُحدّد الشّخصيّات وما تنطق به من حوار، بحيث يصل المؤلّف إلى غايته وهي إثارة
المتقبّل عاطفيًّا وفكريًّا، وأداء مقاصدة التّعليميّة والتّربويّة والنّقديّة.
وأهمّ مقوّم للحبكة مقولة الوحداث الثّلاث، وهي وحدة الموضوع (الحدث ـ الفعل) ووحدة
الزّمان ووحدة المكان، ومقولة فصل التّراجيديا عن الكوميديا (فصل المأساة عن
الملهاة) حيث لا توجد المشاهد المضحكة والمسلّية، بل لا توجد إلاّ المشاهد التي
تكثّف البعد المأسويّ، فتكثّف الإشفاق والخوف، ووحدة الموضوع هي العمود الفقري لكلّ
عمل مسرحيّ تراجيديّ، والموضوع في "السّلطان الحائر" يتمثّل في ذلك الصّراع الدّائر
بين القانون والسّيف، من خلال صراع السّلطان مع الوزير والقاضي، أيْ إنّ الموضوع
هنا واحد يتعلّق بوضعيّة السّلطان القانونيّة والمدنيّة، وكيفيّة تخليصه من هذه
الوضعيّة.

وتتطلّب الحبكة والحركة عقدة هي جوهر الحدث التّراجيديّ، وهي
"مجموع العوائق الدّاخليّة أو الخارجيّة التي تعترض الشّخصيّات الرّئيسيّة". (جاك
شارر)، وتؤدّي العقدة إلى انقلاب الأحداث والأحوال بظهور حدث مفاجئ غير متوقّع،
وهذا الحدث في "السّلطان الحائر" تمثّل في اكتشاف السّلطان ومنْ حوله من جهاز
الدّولة والشّعب وضعيّته المدنيّه بكونه مملوكًا للسّلطان الرّاحل الذي لم يُعتقه،
ثمّ تظهر العوائق التي تعمّق هذه العقدة، وهي داخليّة وخارجيّة، فالدّاخليّة تتعلّق
بالسّلطان الذي يرفض في البداية الإقرار بهذه الحقيقة، ثمّ يقبلها فتتعمّق العقدة
بصعوبة إيجاد الحلّ المناسب لإصلاح الأوضاع، والحفاظ على مركز السّلطان في الدّولة
والمجتمع، بل إنّ العقدة تزداد صعوبة حين يصرّ السّلطان على الخضوع للقانون في كلّ
مراحله، بدءًا بالقبول بالبيع في المزاد العلنيّ والعتق، ثمّ موافقة الغانية على
رفضها الإمضاء على حجّة العتق، وقبول قضاء اللّيلة معها في منزلها، والاحتجاج على
تزوير موعد رفع أذان الفجر.

أمّا العوائق الخارجيّة فمنها ما هو قدريّ
يتعلّق بمشيئة القضاء حيث مات السّلطان السّابق دون عتق مملوكه الذي سيخلفه في منصب
السّلطان، ومنها ما هو اجتماعيّ يتعلّق بنظرة المجتمع للمملوك الذي لا يملك أيّ
حقوق مدنيّة في مجتمع يُقسّم فيه الأفراد إلى أسياد وعبيد، وإلى أحرار ومماليك،
ومنها ما هو سياسيّ يتعلّق بالشّروط التي يجب أنْ تتوفّر في السّائس، حيث لا يُمكن
أنْ يكون من العبيد، أو منحدرًا من عامّة الشّعب، ومنها أيضًا ما يتعلّق ببقيّة
الشّخصيّات، فالنّخّاس صرّح بحقيقة وضع السّلطان لأنّه استهجن أنْ يكون السّلطان
مملوكًا، والوزير والقاضي رفضا الإقرار بالحقيقة لأنّهما يعرفان أنّها ستؤدّي إلى
خلخلة العرش وفقدان مصالحهما ومركزيهما، وقد سعيا على امتداد فصول المسرحيّة بكلّ
ما امتلكا من جهود إلى عرقلة تطبيق القانون، ومحاولة التّأثير في السّلطان لترجيح
كفّة السّيف والقوّة على حساب كفّة القانون والحقّ، ومثّلت شخصيّة الغانية عائقًا
خارجيًّا باعتبار أنّها لم تمضِ حجّة العتق لمّا طُلب منها بعد الشّراء، فعطّلت
ظهور الحلّ، وفكّ العقدة، وعطّلت تخلّص السّلطان من العبوديّة، واسترجاعه مركزه
السّياسيّ.

ويمكن أنْ نعدّ الزّمان عائقًا خارجيًّا ساهم في تكثيف العقدة،
ففي اللّيلة التي يقضّيها السّلطان مع الغانية في منزلها، سارع الوزير والقاضي بأمر
المؤذّن رفع الأذان قبل حلول موعده، وهو ما يبيّن أنّهما قد استطالا اللّيل،
واعتبراه مساهمًا في الأزمة، وما عليه إلاّ أنْ ينجلي بسرعة حتّى تستقرّ الأمور،
ويعود كلّ إلى وضعه الطّبيعيّ، أيْ يستعيد السّلطان والوزير والقاضي مناصبهم، وتعود
الغانية إلى مكانتها الحقيقيّة، وينصرف الشّعب إلى عمله، ويكفّ عن الاهتمام بقضيّة
السّلطان التي لا علاقة له بها حسب ما تقرّ بذلك الأعراف في المجتمعات ذات النّظم
السّياسيّة التّقليّديّة.
يتبع...